في حوار نشرته وكالة الأنباء الجزائرية، قالت بوطالب عشية الاحتفال بذكرى مبايعة الأمير عبد القادر بن محي الدين الجزائري تحت شجرة الدردار بسهل غريس (معسكر) يوم 27 نوفمبر 1832، والتي أعقبتها بيعة ثانية في 4 فيفري 1833 بمسجد سيدي حسان بنفس المدينة اثر انعقاد مجلس عام حضرته الوفود من الأعيان وزعماء القبائل والعشائر والمواطنين، أنّ أهم رسالة دافع عنها الأمير منذ تأسيسه لمعالم الدولة الجزائرية الحديثة هي “الوحدة الوطنية”.
وأضافت أنّ هذه الوحدة التي تستمد قوتها من تمسك الشعب الجزائري بثوابته الوطنية بكل مكوناتها، تبقى “خالدة”، حيث أنّ الأجيال المتعاقبة تناقلتها بأمانة وكافحت من أجلها وذلك منذ انطلاق المقاومة الشعبية ضد الاستعمار الفرنسي، إلى غاية اندلاع الثورة التحريرية في أول نوفمبر 1954 وتتواصل اليوم في إطار بناء الجزائر الجديدة.
وعلى هذا الأساس، دعت المتحدثة بصفتها “أمينة عامة لمؤسسة الأمير وحفيدته”، إلى تخصيص يوم وطني للأمير عبد القادر في 27 نوفمبر”، على اعتبار أنه في هذا التاريخ “أصبحت الجزائر تواجه الفرنسيين كدولة قائمة بذاتها وغير منتمية للباب العالي (الدولة العثمانية)”.
وأوضحت بوطالب أنّ تاريخ الأمير المرتبط بتاريخ الجزائر “ينبغي أن يُكتب بماء الذهب”، حيث أنّ “ناصر الدين” وهي الكنية التي أطلقها على الأمير عبد القادر والده محي الدين، حمل على عاتقه “الدفاع عن الإسلام والجزائر في مواجهة دولة كانت تعمل على نشر المسيحية بالقوة في أوساط الجزائريين”، ورفع لأجل ذلك “راية خضراء وبيضاء وتتوسطها علامة على شكل يد وذلك ترجمة للآية القرآنية (يد الله فوق أيديهم)”.
وسردت الأمينة العامة للمؤسسة، أهم المحطات التاريخية للأمير عبد القادر الذي “حارب فرنسا مدة 17 سنة وهو شاب صغير وخاض 116 معركة ضدّ 122 جنرالاً فرنسيًا و16 وزير حرب فرنسي، و5 من أبناء الملك لويس فيليب”، وقتل جيش الأمير في معركة “المقطع” وحدها 1500 فرنسي.
وإلى جانب حربه ضد المستعمر الفرنسي، تعرّض الأمير وجيشه الذي قارب تعداده “1200 مجاهد سنة 1847 لعدوان من جيش سلطان المغرب المتكون من 55 ألف جندي، وكان في انتظاره بعد عودته إلى الجزائر 125 ألف جندي فرنسي”.
وفيما نوّهت بوطالب بعظمة الأمير عبد القادر الذي “ينحدر من نسل النبي الكريم”، و”تصنيفه ضمن مئة من العظماء الذين غيّروا مجرى التاريخ”، وطالبت بتبجيل تاريخه وحماية ذكراه من “التدنيس” وذلك باعتباره رمزًا وطنيًا.
وانتقدت بوطالب من سمتهم “الجاهلين” الذي لا يعرفون “قيمة الأمير عبد القادر رجل الدين المتسامح والمدافع عن حقوق الإنسان”، مشيرةً إلى “أخلاقه العالية في التعامل مع أسرى الحرب من الفرنسيين، وحماية للمسيحيين في الشام سنة 1860”.
في السياق ذاته، ردّت بوطالب على التهم التي لفّقت للأمير بعد حادثة الشام والمتعلقة بانتمائه للماسونية، حيث قالت أنه تلقى بعد هذه الحادثة التهاني من طرف العديد من الدول والمؤسسات الدولية ومن بينها منظمة الماسونية التي لم يكن يعرف الأمير بوجودها، وقدّمها ممثلوها على أنها مؤسسة خيرية، فكان ردّ الأمير “كلنا نعمل لأجل الخير”، وتمّ استغلال هذا الرد من طرف المنظمة التي اعتبرتها “فرصة كي تدخل للمشرق العربي” -حسب السيدة بوطالب- التي أكّدت أنّ الأمير “لم يكن ماسونيًا ولم يحضر أي اجتماع مع الماسونيين”.
وأبرزت الأمينة العامة للمؤسسة زهد الأمير في أي جاه أو منصب كان يعرض عليه، كاشفةً أنّ “الفرنسيين والإنجليز اقترحوا عليه أن يتم تنصيبه سلطانًا للعرب، فرفض طلبهم ورد عليهم بالقول أنه “بعد الجهاد الأصغر ينتظرني الجهاد الأكبر وهو جهاد العلم والقلم”.
للإشارة، فإنّ الأمير عبد القادر وبحسه العالي ووعيه بأهمية العدالة في بناء الدولة التي كان بصدد تأسيسها بالتوازي مع جهاده ضد المستعمر، قام مباشرة بعد تلقيه المبايعة من عامة الناس بمسجد المبايعة بمعسكر، بتعيين القاضي الحمدوشي وغيره من القضاة.
وتميز الأمير عبد القادر بمشروعه الفكري والثقافي من أجل تعميم التعليم في وسط الجزائريين, حيث سعى إلى جمع المخطوطات في كل المناطق التي مر بها من أجل إنشاء مكتبة مغاربية شاملة, وحثّ جنوده على التعلم كما اهتم بنسخ المصاحف وكرّس مجانية التعليم, وبالرغم من كل ظروف المقاومة الصعبة, إلا أنه عمل على توفير منحة للطلبة تتفاوت حسب مستواهم من أجل تشجيعهم على طلب العلم والتفوق.
وكانت “الزمالة” المدينة الحاضرة التي استحدثها الأمير، عاصمة للثقافة بتركيبة متكاملة مع فكرته الجهادية واهتمامه بالعلوم العسكرية، وأتاحت الفرصة لانصهار الروح العصبية والقبلية بين الأعراش، حيث جسّدت فكرة الأمير في التعايش والنظام المدني والوحدة الوطنية.